النشرة
أعادت الحوادث الأمنية الأخيرة في مخيم شاتيلا بمنطقة بيروت، والمتمثلة بجريمتي قتل خلال يومين فقط، فتح ملف السلاح الفلسطيني وواقع المخيمات من جديد، بعد فترة من الهدوء النسبي أعقبت خطوة سياسية وأمنية وُصفت حينها بالتاريخية تمثّلت في تسليم حركة “فتح”–الأمن الوطني سلاحها الثقيل من جميع المخيمات الفلسطينية في لبنان، تجاوبًا مع القرار اللبناني بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحصر السلاح بيدها.
وتضيف المصادر أن هذه الخطوات، التي جرت بالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الرسمية، نجحت في امتصاص التوتر ومنع تفاقم الأزمة.
لكن التطورات الأخيرة أعادت النقاش إلى الواجهة، إذ دعا رئيس الحكومة نواف سلام إلى استكمال عملية تسليم السلاح من جميع الفصائل، مشددًا على أن “الذي لا يزال في يد بعض التنظيمات يشكّل خطرًا على أمن اللبنانيين ولا يخدم القضية الفلسطينية”.
في المقابل، عبّرت الأوساط الفلسطينية عن استغرابها من تصاعد الحملات الإعلامية والسياسية ضد المخيمات وأبنائها، معتبرة أن التركيز على السلاح الفلسطيني يتجاهل جذور الأزمة المتمثلة في الحرمان القانوني والاجتماعي المزمن الذي يعانيه اللاجئون منذ نكبتهم الأولى. وتساءلت تلك الأوساط: لماذا اقتصر تسليم السلاح على الأسلحة الثقيلة فقط؟ ولماذا لم يُطرح ملف الأسلحة الفردية والمتوسطة ضمن رؤية شاملة تضمن أمن المخيمات ومحيطها؟.
سياسيًا، تأتي هذه التطورات في سياق دقيق تشهده العلاقات اللبنانية–الفلسطينية، لا سيما بعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت في أيار 2025 ولقائه الرئيس اللبناني جوزاف عون، الذي وُصف بالإيجابي وأعاد فتح قنوات الحوار بعد سنوات من الفتور.
وقد تركز البحث آنذاك على ملف السلاح الفلسطيني وسبل تنظيم الوجود داخل المخيمات بما يضمن الأمن والاستقرار، إلى جانب تعزيز التعاون بين الجانبين في الملفات الإنسانية والاجتماعية. وخطة مشتركة لتنظيم العلاقات، تقوم على ضبط السلاح غير الشرعي، وإعادة هيكلة اللجان المشتركة، وتعزيز التنسيق بين الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الفلسطينية، تمهيدا لمرحلة جديدة من الثقة المتبادلة بعد عقود من سوء الفهم والاتهامات المتبادلة.
سياسيًا، شدّدت القوى الفلسطينية خارج إطار منظمة التحرير، وعلى رأسها حركة “حماس”، على رفضها القاطع لفوضى السلاح داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان. وأكدت مصادر مسؤولة في الحركة لـ”النشرة” أنّ الرؤية الموحدة التي أعدّها تحالف القوى الفلسطينية، بمشاركة القوى الإسلامية والتيار الإصلاحي والجبهة الشعبية، دعت إلى تنظيم السلاح وضبطه داخل المخيمات في إطار آلية واضحة للتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني وأجهزته الأمنية.
وتشير هذه المصادر إلى أن الفصائل الفلسطينية التي شاركت ميدانيًا في معركة “اسناد غزة” بعد عملية “طوفان الأقصى” تعاونت حينها مع حزب الله على الجبهة الجنوبية، وأعادت السلاح إليه بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 28 تشرين الثاني 2024.
أما شعبيًا، فيرفض اللاجئون الفلسطينيون تصوير المخيمات كبؤر للجريمة والانفلات الأمني، معتبرين أن هذه الحملات تهدف إلى تأليب الرأي العام اللبناني ضد وجودهم، بدل التركيز على جوهر معاناتهم الممتدة منذ أكثر من سبعة عقود. ويرى كثيرون أن الحل لا يكمن في نزع السلاح وحده، بل في معالجة الأسباب العميقة التي تجعل من المخيمات بيئة هشّة، تعاني من البطالة والفقر وغياب الحقوق المدنية، ما يتركها عرضة للتوترات الأمنية وللاستغلال السياسي في كل مرة تتأزم فيها الأوضاع.
وبين الدعوات إلى تسليم السلاح، والمساعي لإعادة بناء جسور الثقة بين الجانبين اللبناني والفلسطيني، يبقى واقع المخيمات مرآة لعلاقة معقدة لم تُحل جذورها بعد، عنوانها الأمن والسيادة والكرامة، وحدودها مرسومة بانتظار توافق يعيد للاجئين الفلسطينيين في لبنان شعورهم بالاستقرار، من دون أن يبدّد حلمهم بالعودة.