آخر الأخبار

نقص الحليب والحفاضات… أساسيات رعاية الرضع غائبة في غزة

GettyImages-2190696517

تفاقم شح حليب الأطفال والحفاضات في قطاع غزة، والمتوفر منها تضاعفت أسعاره بشكل جنوني، ما يفوق قدرة الفلسطينيين على الشراء، خصوصاً أنهم يعانون أوضاعاً معيشية مأساوية مع استمرار العدوان.

تتقاطع صرخات الأطفال في قطاع غزة مع أصوات الدمار، لتشكّل معاناة صامتة لا تصل إلى شاشات العالم. معاناة تبدأ من الحصول على أبسط حقوق الطفولة، إذ لم يعد القصف والجوع وحدهما عدوّي الفلسطينيين، بل أضيف إليهما قلة الحيلة التي تعتصر قلوب الأمهات حين يعجزن عن إسكات بكاء صغير يبحث عن الغذاء أو عن حفاضة.
ومع استمرار إغلاق الاحتلال الإسرائيلي المعابر مع القطاع، أصبح الحليب والحفاضات ثروة مفقودة، وأصبحت قلوب الأمهات مثقلة بالحزن والخوف على أطفال يحلمون فقط بلقمة هادئة ونوم دافئ، في ظل العجز عن توفير أبسط الضروريات.
وتُطبق سلطات الاحتلال حصارها على قطاع غزة منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، وتواصل منع إدخال كل مقومات الحياة، وأبرزها الموارد الغذائية، بما فيها حليب وحفاضات الأطفال، وهم الفئة الأكثر هشاشة، ما ينذر بتعرضهم لأمراض سوء التغذية، وأخرى ناجمة عن قلة النظافة.

وصل سعر علبة الحليب إلى 80 شيكلاً والحفاضات إلى 120 شيكلاً

تعاني الفلسطينية شهد المدهون، والدة الرضيعة هناء (9 أشهر)، من صعوبات بالغة في توفير الحليب والحفاضات، خصوصاً أنها المُعيلة لعائلتها التي تسكن داخل خيمة في أحد مخيمات النزوح بمنطقة حي الشيخ رضوان، غربي مدينة غزة. تحمل طفلتها بين يديها، وقد بدا على ملامحها التعب والإرهاق، وتقول لـ”العربي الجديد”: “زوجي شهيد، وأسعى جاهدة لتأمين احتياجات طفلتي. لا أستطيع شراء الحفاضات التي وصل سعرها إلى 150 شيكلاً، في حين يصل سعر علبة الحليب إلى أكثر من 50 شيكلاً، وهذه مبالغ لا أستطيع توفيرها، لذا أضطر لاستخدام قطع من الأقمشة البالية بدلاً من الحفاضات، واعتمد على الرضاعة الطبيعية وبعض السوائل المتوفرة في التغذية”.
تضيف المدهون: “لا أحصل على الغذاء المناسب نتيجة المجاعة التي تضرب قطاع غزة، ما ينعكس على طفلتي التي تعتمد بشكل أساسي على الرضاعة الطبيعية، وأتمنى أن يجري فتح المعابر في القريب العاجل للحفاظ على حياة طفلتي، وكل أطفال القطاع”.
بدوره، يتجرع الفلسطيني عبد الله المجبر كأس المعاناة ذاتها، إذ بات عاجزاً عن توفير الحليب والحفاضات لطفلته مسك (6 أشهر)، ويقول لـ”العربي الجديد”: “أسعار الحليب والحفاضات مرتفعة في الأسواق، ولا أستطيع شراءها مطلقاً، خصوصاً أنني أعاني من أوضاعٍ متردية بفعل الحرب. كنت نازحاً من حي الشيخ رضوان إلى جنوبي القطاع، وحينما عُدت وجدت منزلي مدمراً، وأسكن حالياً في خيمة، وزادت معاناتي مع عدم قدرتي على توفير الحليب والحفاضات لطفلتي”.

عائلة نازحة في مخيم البريج، 5 مارس 2025 (معز صالحي/الأناضول)
عائلة نازحة في مخيم البريج، 5 مارس 2025 (معز صالحي/الأناضول)

وضعت هالة غيث طفلها موسى قبل أسبوعين، وحينها بدأت التفكير في كيفية الحصول على الحليب والحفاضات، في ظل شح المتوفر منها في الأسواق. وتحكي لـ”العربي الجديد”، أنها استطاعت توفير “باكيت حفاضات” عبر فاعل خير في غزة، والحال نفسه مع علبة حليب، وتضيف: “لا أعرف ما العمل حين نفادهما، غالباً سأدخل في دوامة البحث، أو سأضطر لاستدانة مبلغ مالي للشراء لتجاوز الأسعار الباهظة. قبل أيام توجهت إلى بعض المؤسسات الخيرية، إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) لتسجيل اسم طفلي في سبيل الحصول على الحليب والحفاضات حال توفرها”.
في شهادة أخرى، تروي ميساء الفيري، والدة الطفل سراج: “زوجي أسير، وبيتي مدمر بالكامل، ولا أملك أي دخل، وأضطر لاستخدام قطع القماش البالية والنايلون مع طفلي، وأتوجه إلى المبادرين وفاعلي الخير للحصول على الحليب والحفاضات”. تنظر لطفلها، وتضيف: “يبكي طوال الليل بسبب الجوع، ولا أستطيع إطعامه، فقد استهلكت علبة الحليب الأخيرة لدي، والتي حصلت عليها من مؤسسة خيرية”.
أما رواء سالم، وهي أم لثلاثة أطفال، اثنين منهم “توأم” يبلغان من العمر سنتين، ويحتاجان إلى الحليب والحفاضات بشكل يومي، فتقول: “لا أملك الحليب ولا الحفاضات منذ أكثر من أسبوعين، ولا أستطيع توفيرهما، وأضطر لاستخدام قطع القماش البالية، حتى إنها أيضاً نفدت قبل يومين”. وتضيف لـ”العربي الجديد”: “يمضي الطفلان النهار بلا حفاضات، وفي الليل أستخدم القطع القماشية، ولا يوجد لدي حليب، وأكتفي بإطعامهما الخبز مع بعض الأعشاب الساخنة. أولادي ضعفوا كثيراً بسبب عدم توفر كميات الغذاء الكافية”.
تجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال لم تلتزم بتطبيق البرتوكول الإنساني كاملاً خلال فترة وقف إطلاق النار، والذي كان ينص على دخول 600 شاحنة مساعدات يومياً، فيما تراوح المعدل اليومي الذي سمح الاحتلال له بالعبور ما بين 180 و220 شاحنة فقط.

مئات الرضع استشهدوا خلال العدوان، 28 إبريل 2025 (بشار طالب/فرانس برس)
مئات الرضع استشهدوا خلال العدوان، 28 إبريل 2025 (بشار طالب/فرانس برس)

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن الاحتلال يتعمد ارتكاب جريمة التجويع الجماعي من خلال إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، ويمنع إدخال المساعدات بشكل كامل منذ نحو شهرين، إذ منع إدخال 18,600 شاحنة مساعدات، و1,550 شاحنة محملة بالوقود، إضافة إلى قصفه أكثر من 60 تكية طعام ومركزاً لتوزيع المساعدات.
يقود الفلسطيني علام حجازي فريق مبادرات خيرية، ويقول إن فريقه اعتاد على تقديم المساعدات العينية والغذائية والحليب والحفاضات إلى الأسر الفقيرة في قطاع غزة، وغالبيتها أسر تعيش في خيام داخل مراكز الإيواء منذ بداية الحرب. ويؤكد لـ”العربي الجديد”، أن “إغلاق المعابر الحدودية مع القطاع منذ أكثر من 50 يوماً أثر سلباً في طبيعة العمل، وعلى إمكانية تقديم المساعدات للعائلات الفقيرة، خصوصاً فيما يتعلق بحليب الأطفال والحفاضات. قبل إغلاق المعابر كانت الأسعار في متناول الجميع، وكان سعر علبة الحليب يصل إلى 20 شيكلاً، وباكيت الحفاضات سعره 30 شيكلاً، لكن بعد الإغلاق تضاعفت الأسعار بشكل جنوني، حتى أصبح ثمن علبة الحليب يصل إلى 80 شيكلاً، والحفاضات إلى أكثر من 120 شيكلاً، ويتزامن ذلك مع توقف كثير من الممولين عن دعمنا في توفير هذه المستلزمات”.
ويوضح أن “غالبية المبادرات المتعلقة بالأطفال، والتي تشمل توفير الكسوة والحليب والحفاضات توقفت بشكل كامل بسبب عدم توفر كميات مناسبة منها في الأسواق، أو تضاعف أسعارها عدة مرات، إذ أصبح اهتمام الممولين من الخارج بمسألة الطعام وسقيا الماء عقب دخول القطاع في مجاعة متزامنة مع أزمة التعطيش. هناك حاجة ملّحة لتوفير الحليب والحفاضات، إذ تزداد مطالبات العائلات بهما في الآونة الأخيرة، لكننا لا نستطيع تلبية هذه النداءات، ونخشى من إصابة العديد من الأطفال بأمراض سوء التغذية، أو الأمراض الأخرى الناجمة عن قلة النظافة، بسبب عدم توفر الحفاضات الصحية”.

ويشدد حجازي على أن “استمرار إغلاق المعابر ينذر بعواقب وخيمة على جميع أهالي غزة، خصوصاً الأطفال، وعلى رأسهم الخدّج، فعدم توفر الحليب والحفاضات والغذاء المناسب لهم كارثي، وقد أصبحت المجاعة تفتك بالكثير من الناس أخيراً، والعمل الخيري في قطاع غزة تراجع بنسبة كبيرة خلال الأسابيع الماضية. نطالب بضرورة الضغط على الاحتلال لفتح المعابر لإنقاذ حياة الناس الذين بدأت تظهر عليهم علامات المجاعة والأمراض الناجمة عنها”.
واستخدم الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع عدة مرات لمعاقبة أهالي قطاع غزة، كان أبرزها حينما أصدر قراراً بإغلاق جميع المعابر وقطع الكهرباء والمياه، عقب عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فيما استخدم لاحقاً الأسلوب ذاته خلال تنفيذ عملياته العسكرية البرية، وتحديداً في مناطق مدينة غزة وشمالي القطاع، حيث كرر قطع إمدادات الغذاء والمساعدات عنها ضمن مخططاته لتنفيذ ما أطلق عليه “خطة الجنرالات” لتفريغها من سكانها.
وتنص المادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على تجريم تعمّد تجويع المدنيين، واتخاذ ذلك أسلوباً من أساليب الحرب، بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمّد عرقلة الإمدادات الإغاثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف، ويصنف ذلك ضمن جرائم الحرب.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة