آخر الأخبار

موسم الزيتون.. معركة موسمية لصراع تاريخي على هوية الأرض الفلسطينية

20241014124118

يصف فرج النعسان، أحد مزارعي قرية كفل حارس شمالي مدينة سلفيت موسم الزيتون هذا العام بأنه “يكاد يكون معدومًا”، إذ لن يتمكن الأهالي من الوصول إلا إلى نحو 3% فقط من الأراضي المزروعة بالزيتون، وهي تلك الواقعة داخل حدود القرية.

تجاور القرية مستوطنة أرئيل، المستوطنة الأكبر في الأراضي الفلسطينية والتي ابتلعت 76% من مساحة سلفيت، حيث مُنع الأهالي من الوصول إلى أكثر من 3000 دونم من الأراضي المزروعة بالزيتون.

غير أن الوضع الأصعب بين جميع الشواهد على عنف المستوطنين وجيش وشرطة الاحتلال يجد تعبيره في قرية المغير في محافظة رام الله والبيرة، فقد نفذت قوات الاحتلال في أغسطس/ آب الماضي حملة واسعة لقطع أشجار الزيتون، تم خلالها اقتلاع نحو 10000 شجرة، كما تم الاستيلاء على مساحات واسعة لصالح البؤر الاستيطانية، وقطع نحو 250 شجرة زيتون على الطريق الوحيد الواصل بين المغير وأبو فلاح، ما زاد من عزل القرية وتعميق الحصار المفروض على سكانها.

وعادة يبدأ موسم قطف الزيتون في أواخر سبتمبر ويستمر حتى نوفمبر. ويشكّل الزيتون جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الزراعي الفلسطيني والهوية الثقافية والوطنية الفلسطينية، فمن أجل حماية الأرض من غول الاستيطان ومن سياسة الاحتلال بشكل عام، أخذ الفلسطينيون يتوسّعون في زراعة شجرة الزيتون، والتي تحولت إلى رمز للتحدي والصمود من ناحية، وإلى هدف لسياسة الاحتلال وغول الاستيطان من ناحية أخرى.

إضعاف التضامن

وفي خطوة تهدف إلى إضعاف حماية المزارعين الفلسطينيين أثناء موسم الزيتون، أعلن وزير الداخلية الاحتلال الإسرائيلي ياريف ليفين، طرد 32 ناشطا أجنبيا من الضفة الغربية المحتلة لمساعدتهم قاطفي الزيتون الفلسطينيين ضد اعتداءات المستوطنين.

وقال مكتب ليفين في بيان أمس الأربعاء، أنه توافق مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على ترحيل 32 ناشطا أجنبيا، بزعم مخالفتهم أوامر عسكرية، ويشتبه بانتمائهم إلى منظمة اتحاد لجان العمل الزراعي.

واتحاد لجان العمل الزراعي، هو أكبر مؤسسة تنمية زراعية في فلسطين تأسست عام 1986 استجابة للظروف الاجتماعية والسياسية الضعيفة التي يواجهها المزارعون الفلسطينيون نتيجة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي.

وذكر البيان أن 32 ناشطا أجنبيا نظموا الخميس الماضي احتجاجا قرب مفترق بورين شمال الضفة الغربية، وزعم أنه “في إطار التحقيق، اتضح أن الأجانب كانوا بالفعل أعضاء في منظمة اتحاد لجان العمل الزراعي الإرهابية”.

ولم يوضح البيان جنسيات الأجانب أو البلدان التي تم ترحيلهم إليها، لكنه أشار إلى أنه صدر بحقهم حظر دخول إلى إسرائيل لمدة 99 عاما.

وتمثل هذه العقوبة رسالة ردع شديدة للناشطين الدوليين من التدخل أو التواجد في الضفة التي تواجه خطر الضم، لاسيما بعدما صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون ضم الضفة الغربية وفرض “السيادة الإسرائيلية” عليها، وعلى مشروع قانون فرض “سيادة إسرائيل” على مستوطنة “معاليه أدوميم”.

وعمليًا، تزيد هذه الخطوة من صعوبة قطف الزيتون بأمان للمزارعين الفلسطينيين، خاصة في القرى مثل بورين والمغير وغيرها من المناطق التي تشهد اعتداءات مستوطنين متكررة.

من المنع إلى الحرق وقطع الجذور

ويتعرض المزارعون في الضفة لهجمات من المستوطنين أثناء قطف الزيتون، بما في ذلك التهديد بالعنف أو تدمير المحاصيل. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وجراء اعتداءات المستوطنين، يواجه المزارعون الفلسطينيون صعوبات ومخاطر كبيرة في الوصول إلى تلك الأراضي خلال موسم جني الزيتون إلا بوجود المتضامين الأجانب.

وفي موسم قطف الزيتون للعام 2023، ألغت سلطات الاحتلال جميع هذه الموافقات تقريبًا، ما منع المزارعين فعليًا من الوصول إلى أراضيهم، حيث بقيت البوابات الزراعية على طول جدار الفصل العنصري مغلقة، أمّا الأراضي المحاذية للمستوطنات فقد أغلقتها قوات الاحتلال بالسواتر الترابية في معظمها.

وإلى جانب هذه العوامل الطبيعية، هناك الصعوبات التي يواجهها المزارعون في الوصول إلى أراضيهم بسبب الحواجز والسواتر الترابية والبوابات الحديدية، التي نشرتها سلطات الاحتلال في طول الضفة الغربية وعرضها، حيث لم يتمكن المزارعون في العام 2023 من الوصول إلى 120 ألف دونم، وفق معطيات نشرتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في 18 أكتوبر 2025.

ويبين التقرير أن عام 2024 كان أكثر صعوبة، إذ تحت ضغط المستوطنين بدأت سلطات الاحتلال تتحكّم بتصاريح السماح للمزارعين بالوصول إلى حقولهم القريبة من نحو 180 مستوطنة ونحو 256 بؤرة استيطانية ومزرعة رعوية محاطة بأحزمة أمنية تمنع الوصول إلا بتصاريح خاصة.

في الوقت نفسه تكرّرت اعتداءات المستوطنين على أشجار الزيتون بين اقتلاع وحرائق وتدمير وسرقة المحاصيل، في محاولة لحرمان المزارعين من مصدر رزقهم وتقليص وجودهم في أراضيهم.

ويشير التقرير إلى أن جيش الاحتلال ومستوطنيه أشعلوا بعد بدء حرب الإبادة الإسرائيلية، 800 حريق في ممتلكات وحقول، منها 600 حريق في الحقول والأراضي الزراعية، وتسببت هذه الحرائق بتدمير ما مجموعه 50 ألف شجرة، منها 37 ألفًا من أشجار الزيتون، وكان لمحافظات نابلس وبيت لحم والخليل ورام الله النصيب الأكبر منها.

ويسرد التقرير كيف اتسع نطاق هجمات المستوطنين على الأراضي الفلسطينية، بدء من منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم لقطف أو استكمال قطف ثمار الزيتون من أراضيهم، مروراً بسرقة خزانات المياه والأدوات والجرارات الزراعية وألواح طاقة شمسية.

سردية تحريضية مضللة

ويقول التقرير إن موسم قطف الزيتون في فلسطين، الذي يمثل في جوهره السياسي تعبيراً عن الهوية الوطنية الفلسطينية تحول إلى هدف لحملات تحريض وتقييد متصاعدة من قبل سلطات الاحتلال وحتى أذرعها الإعلامية والسياسية، إلى جانب جماعات المستوطنين.

ويضيف: “امتدّ الخطاب التحريضي والتضليلي الإسرائيلي ليشمل حق الفلسطيني في الوصول إلى حقول زيتونه بحجة أن حماس تدفع هؤلاء المواطنين إلى المواجهة مع الجيش ومع المستوطنين، فتحوّل الموسم من موسم قطف إلى حالة أمنية تتطلب المعالجة”.

كما جرى توظيف هذه السردية المضللة والتحريضية في الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي، للكشف عن كيف تحوّل موسم الزيتون إلى مسألة أمنية وإلى أداة دعاية إسرائيلية لتبرير الانتهاكات وتقويض أحد أهم المواسم الاقتصادية والوطنية في فلسطين.

ومن الأمثلة على ذلك أن موقع “الصوت اليهودي”، وهو موقع إسرائيلي يميني استيطاني معروف بخطابه التحريضي ضد الفلسطينيين، بثّ في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي حلقة من البودكاست الخاص به “نتحدّث في الجبل”، تحت عنوان “كرنفال قطف الزيتون يقترب: هكذا تسيطر حماس على مناطق (ج) تحت أنف الجيش الإسرائيلي”.

واحتوت الحلقة على سلسلة من المزاعم التحريضية لموسم قطف الزيتون الفلسطيني، إذ قال المتحدثان إن الموسم ليس نشاطًا زراعيًا بريئًا، بل “غطاء لمشروع استراتيجي تديره حركة حماس للسيطرة على مناطق (ج) في الضفة الغربية”.

“قطف الفلسطيني لزيتونه خطر أمني”

حركة “إم ترتسو” الإسرائيلية اليمينية المتطرفة نشرت هي الأخرى عريضة دعت فيها عبر موقعها الرسمي ومنصاتها الرقمية قيادة جيش الاحتلال إلى إعادة النظر في سياسة السماح للفلسطينيين بقطف الزيتون في المناطق القريبة من المستوطنات وطرق العبور الرئيسية.

وذكرت الحركة في عريضتها أن استمرار السماح للفلسطينيين بالدخول إلى هذه المناطق يشكّل “خطرًا أمنيًا” على السكان اليهود، وفي الخامس من أكتوبر الجاري نشرت الحركة الإسرائيلية بيانًا تقول فيه إنها علّقت لافتات تطالب بوقف موسم الحصاد.

وذكرت أن القيادة المركزية ستسمح خلال أقل من أسبوعين ببدء موسم قطف الزيتون، وأن “العدو سيستغل ذلك على غرار ما حدث في غزة قبل السابع من أكتوبر، لجمع معلومات استخبارية وإخفاء منصات إطلاق وأسلحة أخرى، استعدادًا للمذبحة التالية”.

وختمت العريضة بدعوة مستعجلة “هذه المرة دعونا نستيقظ في الوقت المناسب. أوقفوا الحصاد وامنعوا المذبحة القادمة”، مع حثّ المتابعين على التوقيع على العريضة.

معركة الزيتون

ويقول الكاتب السياسي أنطوان شلحت، إن المعطيات تشير إلى ملامح معركة ليست جديدة يمكن تسميتها معركة الزيتون، وتدور لدى كل موسم قطف سنوي، لكن أغراضها غير منحصرة فيه فقط.

ويضيف في مقاله الموسوم “عنف المستوطنين: معركة الزيتون نموذجًا”، أنه لا معنى لقراءة هذه المعركة بمنأى عن سياقها الأعم والأبعد مدى، وهو سياق الحرب التي يخوضها المستوطنون من أجل الحفاظ على “أرض إسرائيل الكبرى”، من باب التمسّك بإحدى فرضيات المستوطنين في الضفة الغربية، وفحواها أن المستوطنات يمكنها أن تمنع تقسيم إسرائيل.

ويستشهد شلحت بما جاء على لسان البروفيسور أرنون سوفر، الذي يُعدّ من أبرز الخبراء الإسرائيليين في مجال الجيو- استراتيجيا، والذي رأى أن المزارعين اليهود في أنحاء “أرض إسرائيل” كلها بمثابة “الخلية الأهم” في جسد المشروع الاستيطاني الصهيوني، كونهم يربطون “الشعب اليهودي” بأرضه، الأمر الذي ليس في مستطاع أي فرع اقتصادي آخر أن يفعله.

وذهب سونر إلى حدّ القول إن ما هو أكثر أهميةً من ذلك، أن الزراعة في حالة إسرائيل المخصوصة تعني الأمن، ذلك أن المزارع يساهم بدور مركزي للغاية في الحفاظ على الأرض، وهو دور يتعذّر على أي وحدة أو دورية عسكرية إسرائيلية القيام به. وفي رأيه، يشكّل المزارعون من الناحية العملية “عيون الدولة” على نحوٍ يفوق ما تقوم به “عيون” الوحدات الاستخباراتية كلها الموجودة لدى جيش الاحتلال.

ويشدد شلحت على أن سونر، لا يكشف جديدًا بتلميحه إلى أن الأرض كانت ولا تزال جوهر الصراع على فلسطين، فقد سبقه إلى هذا كثيرون من منظّري الحركة الصهيونية، ولا سيما الذين تولوا مسؤوليات ميدانية مباشرة عن ترجمة أفكارها أعمالًا.

اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام:
https://palinfo.com/news/2025/10/23/979255/

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة