آخر الأخبار

غزة.. تنهض من الرماد وتبحث عن وجهها المفقود

GieG1wfbEAAvH8N

حين يخيّم الصمت بعد العاصفة، تبدأ الحكاية الحقيقية، في غزة، لا صوت للقنابل بعد اليوم، لكن صوت الركام أعلى من أي وقت مضى.

الشوارع التي كانت تضج بالحياة تحوّلت إلى ممرّات ضيقة بين الجدران المنهارة، والناس يسيرون بحذر حاملين همومهم وأحلامهم.

في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وقف صلاح أبو غنيمة أمام دمار لا نهاية له، كان يحدّق طويلًا في الفراغ محاولاً أن يرسم في ذهنه خريطة بيته القديم.

“هنا كان بابنا… وهناك كانت أمي تزرع النعناع”، قال بصوت مبحوح، ثم صمت قليلًا وأضاف: “الآن لا شيء… إلا الركام”.

بالنسبة لصلاح، العودة لم تكن إلى المنزل، بل إلى الفراغ الذي خلفته الحرب، ومع ذلك، حمل معوله الصغير وبدأ ينظف الركن الذي يظنه فناء البيت، يقول بابتسامة يائسة: “حتى لو لم يبقَ شيء، سأبدأ من هنا… من هذا الركن”.

في مناطق النزوح جنوب القطاع، تختلط رائحة الدخان القديمة مع رائحة النفايات الجديدة.

أكوام من البلاستيك، بقايا طعام، حيوانات نافقة، وكلها تحاصر خيام النازحين من كل جانب.

تقول أم بلال وهي أم لخمسة أطفال، إنها لا تنام ليلًا من الخوف على صغارها: “الحشرات صارت جزءًا من يومنا، نغلق الخيمة، لكنهم يدخلون من كل فتحة، ابني الصغير مرض ثلاث مرات الشهر الماضي… ولسه ما شفنا دكتور”.

منظمة الأمم المتحدة تقول إن غزة تواجه أزمة بيئية “غير مسبوقة”، بعد أن تراكمت ملايين الأطنان من الركام والنفايات، معظم الشوارع مغلقة، والمياه تختلط بالصرف الصحي، والمستشفيات تعمل في ظروف لا تصلح للحياة.

جاكو سيليرز، ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصف مهمة تنظيف غزة بأنها “أصعب من إعادة الإعمار نفسها”.

فالحرب لم تدمّر فقط البيوت، بل شلّت كل ما يجعل الحياة ممكنة: الآليات، الشبكات، المصانع، وحتى المساحات الخضراء.
“نحن نحاول أن نفتح الطرق أولاً، لأن الطريق المفتوح هو أول خطوة نحو الحياة”، قال سيليرز في مؤتمر صحفي بغزة.

في خانيونس، ترى جرافة يتيمة تحاول أن تشق طريقًا وسط بحر من الركام، بجانبها يقف ثائر الأسطل، شاب في الثلاثين، يرتدي كمامة بالية ويحمل بيديه مجرفة صدئة.

يقول: “ما عنا معدات، بس عنا إرادة. كل حجر بنشيله بإيدينا، كأنه خطوة باتجاه الحياة”.

ينظر إلى السماء ثم يضيف: “يمكن تحت الركام في جثامين، ويمكن في بداية جديدة… ما بنعرف، بس لازم نكمل”.

الأطفال، رغم كل شيء، بدأوا يرسمون على الجدران المتبقية: بيت، شمس، علم، وعبارة صغيرة متكررة: “بدنا نعيش”.

تلك الجدران المهشمة تحولت إلى دفاتر أمل، تكتب عليها غزة رغبتها في البقاء.

رغم أن كل رقم يشير إلى كارثة، أكثر من مئة ألف مبنى مدمر، وثلاثمئة ألف وحدة سكنية متضررة، إلا أن ما لا يمكن قياسه هو عناد الحياة في قلوب الناس.

اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام:
https://palinfo.com/news/2025/10/23/979349/

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة