خليل كوثراني
ليس الموقف العنصري العدواني الذي أطلقه بتسلئيل سموتريتش، ضدّ السعودية، مقطوعاً من سياق حتى يمحوه الاعتذار اللاحق للرجل. فلا هو تغريد خارج السرب، ولا استثناء من آراء عتاة الصهيونية الدينية أو مواقف أقطاب اليمين الحاكم، بمن فيهم بنيامين نتنياهو، كلّما عاد الحديث عن التطبيع وفق شرط «حلّ الدولتين» أو أدنى حقوق فلسطينية، مهما كانت تفريطاً.
سبق نتنياهو، سموتريتش، إلى موقف مشابه لمّا دعا السعودية، باعتبارها تطالب بإقامة دولة فلسطينية، إلى استقبال الفلسطينيين وإقامة دولة لهم عندها، كونها تحوز على أراضٍ شاسعة. منطق نتنياهو هنا، في عمقه، أكثر عدوانية من منطق سموتريتش، ولم يحصل أن اعتذر عنه. إلا أنّ الأخير بان أكثر عنصرية وصلفاً وهو يسخر من دولة عربية، بأنها ستبقى على الجِمال في الصحراء، إن لم تطبّع مع إسرائيل.
لنتذكّر أنّ الرجل «وزير مالية»؛ وبالتالي، فهو يدرك تمام الإدراك حجم الاقتصاد السعودي وثرواته، بل النمو والتحديث الجاري منذ عقود، ومع ذلك، يصوّر السعوديين على أنهم بلا إسرائيل، سيبقون في تخلّف. تنمّ تصريحات سموتريتش، عن عنصرية صهوينية متأصّلة تجاه العرب؛ ففي ما يشبه زلّة لسان، هو يفصح عن إيمانه بنظرية قديمة حول التزاوج بين «العقل اليهودي والمال العربي»، أي أنّ المال العربي، لا قيمة له ولا حظّ عنده من الاستثمار إلا بالعقول الصهيونية والواحة الإسرائيلية، كبوّابة إلزامية إلى جنّة الغرب.
يتعامل نتنياهو وسموتريتش، مع السعودية بوقاحة، على أنها تابع في منطقة هيمنة إسرائيلية، وأنه ينبغي لها أن تلتحق بالتطبيع لصالحها هي، بلا مقابل، أي بلا صفقة وازنة ومتوازنة وكأنها لا أوراق لديها للتفاوض. وإذ يعلن ترامب، أنه ضغط لتجميد قرار ضمّ الضفة، تسهيلاً للتطبيع مع السعودية، يقرّ الكنيست، مشروع الضمّ، كي يَظهر ترامب، وكأنه قدّم شيئاً للرياض، فيما الحقيقة هي استبدال لشرط التفاوض على «حلّ الدولتين»، بمجرّد تجميد الضمّ فقط.
ليس الموقف العنصري العدواني الذي أطلقه بتسلئيل سموتريتش، ضد السعودية، مقطوعاً من سياق
لا يمكن أن يفهم هذا التلاعب إلا في السياق الآنف الذكر، سوى أنه تكريس لتراتبيّة فظّة، بين حلفاء الولايات المتحدة.
لا شكّ في أنّ «الليكود» و«الصهيونية الدينية»، في ظلّ تشدّدهما الجذري تجاه حقوق الفلسطينيين وقضية الضفّة وإقامة دولة فلسطينية، بما يجعلهما يعارضان حتى «مساعي السلام» الأميركية، انفتحت شهيّتهما مع تبدّلات موازين القوى والتبنّي الأميركي لمنطقهما. ثمّة منطق مشابه في التعامل الأميركي والإسرائيلي، ينسحب على إيران، وينعكس كذلك في طبيعة الضغوط ضدّ لبنان وسوريا وفلسطين.
تكشف المعلومات عن أنّ عرض ترامب الأخير لإيران، تضمّن شرط التطبيع مع إسرائيل، مضافاً إلى شرط التخلّي عن البرنامجين الصاروخي والنووي، وهو مقترح «صفقة» جديدة يقدّم تحت وطأة التهديد بجولة عدوان ثانٍ. أمّا في لبنان، فيهدّد المبعوث الأميركي، توم برّاك، بهجوم إسرائيلي على «حزب الله»، ويرفق إنذاراته بدعوة لبنان وسوريا إلى السلام مع إسرائيل. وفي سوريا، المطلوب التخلّي عن السيادة والأرض وحتى عن إدارة السكان مقابل «شبه سلام». وفي غزة، عاد ترامب، أمس، ليهدّد «حماس» بـ«إبادة كاملة»، في حال عرقلة المرحلة الثانية من الاتفاق.
لقد ارتقى التغوّل الإسرائيلي في المنطقة، بالدعم الأميركي اللّا محدود، مبلغاً جديداً، ليس مبالغة وصفه بأنه يقوم على قاعدة «وقف الإبادة مقابل الاستسلام»، والإبادة هنا فعليّة كما في غزة، وهي «إبادة سياسية» ـــــ بتعبير باروخ كيمرلينغ ــــ في الساحات الأخرى. التغوّل لا يعني أننا إزاء منطق جديد؛ فالانتزاع المجاني للمكاسب هو ما لم يخفهِ نتنياهو يوماً، منذ استبدل شعار «الأرض مقابل السلام» بشعار «السلام مقابل السلام».
أمّا أميركياً، فقد فاجأتنا كونداليزا رايس، بدورها، قبل أيام، بأنها لا تزال على قيد الحياة والعدوانية ذاتها، مهدّدة بأنّ خريطة إسرائيل باقية كما هي، وأنّ على الفلسطينيين أن يكفّوا عن المقاومة وتعليم أبنائهم خلاف ذلك. لا تتوقّع رايس، في المقابل، أن يسألها أحد: ماذا عن اعتراف إسرائيل بفلسطين، أي «فلسطين» كانت، أو عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره؟ وغداً، إذا ما خرج عربي ليردّ بانتقام عنيف في أي بقعة من العالم بوجه هذه العدوانية التي تحاول محو وجوده، سيندلق معجم الإرهاب ومصفوفة طويلة عن أسبابه الحضارية والذاتية.